فصل: ومن باب ما يجب فيه الزكاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب ما يجب فيه الزكاة:

قال أبو داود: حدثنا ابن مسلمة قال قرأت على مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمس ذَود صدقة وليس فيما دون خمس أواق صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة».
قلت: هذا الحديث أصل في بيان مقادير ما يحتمل من الأموال المواساة وإيجاب الصدقة فيها وإسقاطها عن القليل الذي لا يحتملها لئلا يجحف بأرباب الأموال ولا يبخس الفقراء حقوقهم وجعلت هذه المقادير أصولا وأنصبة إذا بلغتها أنواع هذه الأموال وجب فيها الحق، والذود اسم العدد من الإبل غير كثير ويقال أنه ما بين الثلاث إلى العشر ولا واحد للذود من لفظه؛ وإنما يقال للواحد منها بعير كما قيل للواحدة من النساء امرأة، والعرب تقول الذود إلى الذود إبل وأما الوَسْق فهو ستون صاعا. قال الشاعر يصف مطيته وهو أبو وجزة:
راحت بستين وسقا في حقيبتها ** ما حملت مثلها أنثى ولا ذكر

وهذا لم يريد أنها حمّلت هذه الأوساق بأعيانها فإن شيئا من المطايا لا يحمل هذا القدر وإنما مدح بعض الملوك فأجازه بستين وسقا إلى عامله وصك له بها فحمل الكتاب في حقيبته فهذا تفسير الوسق.
وأما الكُرُّ فهو اثنا عشر وسقا والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف والصاع خمسة أرطال وثلث فهذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم المشهور عند أهل الحجاز، والصاع في مذهب أهل العراق ثمانية أرطال والأواقي أوقية وهي أربعون درهما يقال أوقية وأواقي مشددة الياء، وقد يخفف الياء أيضًا فيقال أواق كما يقال أضحية وأضاحي وأضاح ولا يقال آواق كما ترويه العامة ممدودة الألف لأنها جمع أوق.
وقد يستدل بهذا الحديث من يرى أن الصدقة لا تجب في شيء من الخضراوات لأنه زعم أنها لا توسق ودليل الخبر أن الزكاة إنما تجب فيما يوسق ويكال من الحبوب والثمار دون ما لا يكال من الفواكه والخضر ونحوها وعليه عامة أهل العلم إلاّ أن أبا حنيفة رأى الصدقة فيها وفي كل ما أخرجته الأرض إلاّ أنه استثنى الطرفاء والقصب الفارسي والحشيش وما في معناه.
وفيه بيان أن النوع الذي فيه الصدقة من الحبوب والثمار لا يجب فيها شيء حتى يبلغ خمسة أوسق.
وفي قوله: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» بيان أن مائتي درهم إذا نقصت شيئا في الوزن وإن قل أو كانت تجوز جواز مائتي درهم أو كانت ناقصة تساوي عشرين دينارا أنه لا شيء فيها.
وفيه دليل على أن الزكاة لا تجب في الفضة بقيمتها لكن بوزنها.
وفيه مستدل لمن ذهب إلى أن نيل المعدن إذا كان دون خمس أواق لم يجب فيه شيء، وإليه ذهب الشافعي.
وفيه دليل على أن ما زاد على المائتين فإن الزكاة تجب فيه بحسابه لأن في دلالة قوله ليس فيما دون خمس أواق صدقة إيجابا في الخمس الأواقي وفيما زاد عليه وقليل الزيادة وكثيرها سواء في مقتضى الاسم. ولا خلاف في أن فيما زاد على الخمسة الأوسق من التمر صدقة قلت الزيادة أو كثرت وقد أسقط النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة عما نقص عن الخمسة الأوسق كما أسقطها عما نقص عن الخمس الأواقي فوجب أن يكون حكم ما زاد على الخمس الأواقي من الورق حكم الزيادة على الخمسة الأوسق لأن مخرجهما في اللفظ مخرج واحد.
وقد اختلف الناس فيما زاد من الورق على مائتي درهم فقال أكثر أهل العلم يخرج عما زاد على المائتي درهم بحسابه ربع العشر قلت الزيادة أو كثرت.
وروى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عمر وبه قال النخعي وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وهو قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد.
وروي عن الحسن البصري وعطاء وطاوس والشعبي ومكحول والزهري أنهم قالوا لا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين درهما وبه قال أبو حنيفة.
وفيه دليل على أن الفضة لا تضم إلى الذهب وإنما يعتبر نصابها بنفسها ولم يختلفوا في أن الغنم لا يضم إلى الإبل ولا إلى البقر، وأن التمر لا يضم إلى الزبيب.
واختلفوا في البُر والشعير فقال أكثر العلماء لا يضم واحد منهما إلى الآخر وهو قول الثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي والشافعي وأحمد بن حنبل. وقال مالك يضاف القمح إلى الشعير ولا يضاف القطاني إلى القمح والشعير.
واختلفوا في الذهب والفضة فقال مالك والأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي يضم أحد الصنفين منهما إلى الآخر.
وقال الشافعي وأحمد بن حنبل لا يضم أحدهما إلى الآخر ويعتبر كل واحد منهما بنفسه، وإليه ذهب ابن أبي ليلى وأبو عبيد ولم يختلفوا في أن الضأن يضم إلى المعز لأن اسم الغنم يلزمهما لزوما واحدًا ولا أعلم عامتهم.
واختلفوا في أن من كانت عنده مائة درهم وعنده عرض للتجارة يساوي مائة درهم وحال الحول عليهما أن أحدهما يضم إلى الآخر وتجب الزكاة فيهما.

.ومن باب زكاة الحلي:

قال أبو داود: حدثنا أبو كامل وحميد بن مسعدة المعنى أن خالد بن الحارث حدثهم، قال: حَدَّثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مَسكتان غليظتان من ذهب فقال لها أتعطين زكاة هذا قالت لا قال أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة بسوارين من نار. قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت هما لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم».
قلت: قوله: «أيسرك أن يسورك الله بهما نارا» إنما هو تأويل قوله عز وجل: {يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم} [التوبة: 35].
قال أبو داود: حدثنا محمد بن إدريس الرازي حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق حدثني يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن عمرو بن عطاء أخبره عن عبد الله بن شداد بن الهاد «أنه قال دخلنا على عائشة فقالت دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فَتَخات من ورق فقال ما هذا يا عائشة فقلت صنعتهن أتزين لك يا رسول الله قال أتؤدين زكاتهن قلت لا أو ما شاء الله قال هو حسبك من النار».
الفتحات خواتيم كبار كان النساء يختتمن بها والواحدة فتخة وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
ألا بزَعْزاع يسلي همي ** يسقط منه فَتَخي في كمي

قلت: والغالب أن الفتخات لا تبلغ نصابا تجب فيها بمفردها الزكاة وإنما معناه أن تضم إلى سائر ما عندها من الحلي فتؤدي زكاتها منه.
وقد اختلف الناس في وجوب الزكاة في الحلي فروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وابن عباس أنهم أوجبوا فيه الزكاة وهو قول ابن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء وابن سيرين وجابر بن زيد ومجاهد والزهري وإليه ذهب الثوري وأصحاب الرأي.
وقد روى عن ابن عمر وجابر بن عبد الله وعائشة وعن القاسم بن محمد والشعبي أنهم لم يروا فيه الزكاة وإليه ذهب مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وهو أظهر قولي الشافعي.
قلت: الظاهر من الكتاب يشهد لقول من أوجبها والأثر يؤيده ومن أسقطها ذهب إلى النظر ومعه طرف من الأثر والاحتياط أداؤها والله أعلم.
وذهب بعض من لم ير الزكاة فيما يلبسه الإنسان من الخاتم ونحوه من زي الرجال أنه إذا اتخذ خواتيم كثيرة لا يتسع للبسها كلها أن عليه زكاتها وإنما يسقط عنه فيما كان منها على مجرى العادة.

.ومن باب زكاة السائمة:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد قال أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتابا زعم أن أبا بكر كتبه لأنس وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه مُصَدِّقا وكتب له فإذا فيه هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم فمن سألها من المسلمين على وجهه فليعطها ومن سأل فوقها فلا يعطه. فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم في كل خمس ذود شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لَبُون ذكر فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حِقة طروق الفحل إلى ستين فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جَذَعة إلى خمس وسبعين فإذا بلغت ستًا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون وفي كل خمسين حقة فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده إلاّ حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده إلاّ ابنة مخاض فإنها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلاّ ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء ومن لم يكن عنده إلاّ أربع فليس فيها شيء إلاّ أن يشاء ربها.
وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين فإذا زادت على المائتين ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلاثمائة فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة. ولا يؤخذ في الصدقة هَرِمة ولا ذات عوار من الغنم ولا تيس الغنم إلاّ أن يشاء المصدق. ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشيه الصدقة وما كان من خليتين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها.
وفي الرقة ربعُ العشر فإن لم يكن المال إلاّ تسعين ومائة فليس فيها شيء إلاّ أن يشاء ربها.
قوله: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل وجهين من التأويل أحدهما أن يكون معنى الفرض الإيجاب، وذلك أن يكون الله تعالى قد أوجبها وأحكم فرضها في كتابه ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالتبليغ فأضيف الفرض إليه بمعنى الدعاء إليه وحمل الناس عليه وقد فرض الله تعالى طاعته على الخلق فجاز أن يسمى أمره وتبليغه عن الله عز وجل فرضًا على هذا المعنى. وكان ابن الأعرابي يقول معنى الفرض السنة هاهنا.
وحكى أبو عمر، عَن أبي العباس أحمد بن يحيى عنه قال الفرض الواجب والفرض القراءة، يقال فرضت جزئي أي قرأته والفرض السنة، قال ومنه ما يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض كذا أي سنَّه.
والوجه الآخر أن يكون معنى الفرض هاهنا بيان التقدير كقوله سبحانه: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} [البقرة: 236] ومن هذا فرض نفقة الأزواج وفرض أرزاق الجند، ومعناه راجع إلى قوله تعالى: {لتبين للناس ما نُزل إليهم} [النحل: 44]. وقوله فمن سألها على وجهها أي على حسب ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرض مقاديرها فليعطها وقوله ومن سأل فوقها فلا يعطه يتأول على وجهين: أحدهما أن لا يعطى الزيادة على الواجب.
والوجه الآخر أن لا يعطي شيئا منها لأن الساعي إذا طلب فوق الواجب كان خائنا فإذا ظهرت خيانته سقطت طاعته.
وفي هذا دليل على أن الإمام والحاكم إذا ظهر فسقهما بطل حكمهما.
وفيه دليل على جواز إخراج المرء صدقة أمواله الظاهرة بنفسه دون الإمام.
وفي الحديث بيان أن لا شيء في الأوقاص وهي ما بين الفريضتين.
وفيه دليل على أن الإبل إذا زادت على العشرين ومائة لم يستأنف لها الفريضة لأنه علق تغير الفرض بوجود الزيادة، وهو قوله فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون وفي كل خمسين حقة، وقد يحصل وجود الزيادة بالواحدة كحصولها بأكثر منها. وعلى هذا وجد الأمر في أكثر الفرائض فإن زيادة الواحدة بعد منتهى الوقص توجب تغير الفريضة كالواحدة بعد الخامسة والثلاثين وبعد الخامسة والأربعين وبعد كمال الستين.
وقد اختلف الناس في هذا فذهب الشافعي إلى أنها إذا زادت واحدة على مائة وعشرين كان فيها ثلاث بنات لبون وبه قال إسحاق بن راهويه.
وقال أحمد بن حنبل ليس في الزيادة شيء حتى يبلغ ثلاثين وجعلها من الأوقاص التي تكون بين الفرائض وهو قول أبي عبيد، وحكي ذلك عن مالك بن أنس واستدل بعضهم في ذلك بأنه لما قال فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون وفي كل خمسين حقة اقتضى ذلك أن يكون تغير الفرض في عدد يجب فيه السنَّان معًا. قلت وهذا غير لازم وذلك أنه إنما علق تغير الفرض بوجود الزيادة على المائة والعشرين وجعل بعدها في أربعين ابنة لبون وفي خمسين حقة وقد وجدت الأربعونات الثلاث في هذا النصاب فلا يجوز أن يسقط الفرض ويتعطل الحكم وإنما اشترط وجود السنين في محلين مختلفين لا في محل واحد فاشتراطهم وجودهما معًا في محل واحد غلط.
وقال إبراهيم النخعي إذا زادت الإبل على عشرين ومائة ففي كل خمس منها شاة وفي كل عشر شاتان وفي كل خمس عشرة ثلاث شياه فإذا بلغت مائة وأربعين ففيها حقتان وأربع شياه فإذا بلغت مائة وخمسا وأربعين ففيها حقتان وابنة مخاض حتى تبلغ خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق فإذا زادت استأنف الفرض كما استؤنفت الفريضة وهو قول أبي حنيفة؛ وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال إذا زادت الإبل على عشرين ومائة استؤنفت الفريضة.
قال ابن المنذر: وليس بثابت منه، وقال محمد بن جرير الطبري: وهو مخير إن شاء استأنف الفريضة إذا زادت الإبل على مائة وعشرين وإن شاء أخرج الفرائض لأن الخبرين جميعا قد رويا.
قلت: وهذا قول لا يصح لأن الأمة قد فرقت بين المذهبين واشتهر الخلاف فيه بين العلماء فكل من رأى استئناف الفريضة لم ير إخراج الفرائض ومن رأى إخراج الفرائض لم يجز استئناف الفريضة فهما قولان متنافيان على أن رواية عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه لا تقاوم لضعفها رواية حديث أنس وهو حديث صحيح ذكره البخاري في جامعه عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن أبيه عن ثمامة عن أنس، عَن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. وفي حديث عاصم بن ضمرة كلام متروك بالإجماع غير مأخوذ به في قول أحد من العلماء وهو أنه قال في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه.
وروى أبو داود الحديثين معًا في هذا الباب وذكر أن شعبة وسفيان لم يرفعا حديث عاصم بن ضمرة ووقفاه على علي رضي الله عنه.
وفيه من الفقه أن كل واحدة من الشاتين والعشرين الدرهم أصل في نفسه ليست ببدل وذلك لأنه قد خيره بينهما بحرف أو.
وقد اختلف الناس في ذلك فذهب إلى ظاهر الحديث النخعي والشافعي وإسحاق.
وقال الثوري عشرة دراهم أو شاتان وإليه ذهب أبو عبيد وقال مالك يجب على رب المال أن يبتاع للمصدق السن الذي يجب له.
وقال أصحاب الرأي يأخذ قيمة الذي وجب عليه وإن شاء تقاصا بالفضل دراهم.
قلت: وأصح هذه الأقاويل قول من ذهب إلى أن كل واحد من الشاتين والعشرين الدرهم أصل في نفسه وأنه ليس له أن يعدل عنهما إلى القيمة. ولو كان للقيمة فيها مدخل لم يكن لنقله الفريضة إلى سن فوقها وأسفل منها ولا لجبران النقصان فيها بالعشرين أو بالشاتين معنى والله أعلم.
وعند الشافعي أنه إذا ارتفع إلى السن الذي يلي ما فوق السن الواجب عليه كان فيها أربع شياه أو أربعون درهما وبه قال إسحاق.
وقال بعض أهل الحديث ولا يُجَاوزُ ما في الحديث من السن الواحد إلاّ أن الشافعي قال إذا وجبت عليه ابنة لبون ولم يكن عنده إلاّ حق فإنه لا يأخذ الحق كما يأخذ ابن اللبون عند عدم ابنة المخاض وجعله خاصا في موضعه ولم يجعل سبيله في القياس سبيل ما يؤخذ من الجبران إذا زاد أو نقص عند تباين الأسنان.
قلت: ويشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم إنما جمل الشاتين أو العشرين الدرهم تقديرًا في جبران النقصان والزيادة بين السنين ولم يكل الأمر في ذلك إلى اجتهاد الساعي وإلى تقديره لأن الساعي إنما يحضر الأموال على المياه وليس بحضرته حاكم ولا مقوم يحمله ورب المال عند اختلافها على قيمة يرتفع بها الخلاف وتنقطع معها مادة النزاع فجعلت فيها قيمة شرعية كالقيمة في المُصَراة والجنين حسما لمادة الخلاف مع تعذر الوصول إلى حقيقة العلم بما يجب فيها عند التعديل.
قلت: وإذا كان معلومًا أن القصد بالمسامحة الواقعة في الطرفين إنما كان بها لأجل الضرورة، وقد يحدث مثل ذلك عند وجوب الحقة وإعوازها مع وجود الجذع وكان ما بينهما من زيادة المنفعة من وجه ونقصانها من وجه شبيها بما بين ابن اللبون وابنة المخاض، فلو قال قائل أنه مأخوذ مكانها كما كان ابن اللبون مأخوذًا مكان ابنة المخاض لكان مذهبًا وهو قول الشافعي والله أعلم.
وفي قوله ومن بلغت صدقته ابنة مخاض وليس عنده إلاّ ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء دليل على أن ابنة المخاض ما دامت موجودة فإن ابن اللبون لا يجزئ عنها وموجب هذا الظاهر أنه يقبل منه سواء كانت قيمته قيمة ابنة مخاض أو لم يكن ولو كانت القيمة مقبولة لكان الأشبه أن يجعل بدل ابنة مخاض قيمتها دون أن يؤخذ الذكران من الإبل فإن سنة الزكاة قد جرت بأن لا يؤخذ فيها إلاّ الإناث إلاّ ما جاء في البقر من التبيع.
وزعم بعض أهل العلم أنه إذا وجد قيمة ابنة مخاض لم يقبل منه ابن لبون لأن واجد قيمتها كواجد عينها ألا ترى أن من وجد ثمن الرقبة في الظهار لم ينتقل إلى الصيام.
قلت: وهذا خلاف النص وخلاف القياس الذي قال وتمثل به وذلك أنه قال في الآية فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فعلق الحكم بالوجود ووجود القيمة وجود لما يتقوم بها، وإنما قال في الحديث ومن بلغت صدقته ابنة مخاض وليس عنده إلاّ ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه فعلق الحكم بكونه عنده لا بقدرته عليه فالأمران مختلفان.
وأما قوله ابن لبون ذكر وتقييده إياه بهذا الوصف وقد علم لا محالة أن ابن اللبون لا يكون إلاّ ذكرا فقد يحتمل ذلك وجهين من التأويل، أحدهما أن يكون توكيدا للتعريف وزيادة في البيان وقد جرت عادة العرب بأن يكون خطابها مرة على سبيل الإيجاز والاختصار ومرة على العدل والكفاف ومرة على الإشباع والزيادة في البيان، وهذا النوع كقوله سبحانه: {فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} [البقرة: 196] ثم قال: {تلك عشرة كاملة} [البقرة: 196] وكان معلومًا أن سبعة إلى ثلاثة بمجموعها عشرة وكقول النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر تحريم الأشهر الحرم فقال: «ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان».
والوجه الآخر أن يكون ذلك على معنى التنبيه لكل واحد من رب المال والمصدق فقال هو ابن لبون ذكر ليطيب رب المال نفسًا بالزيادة المأخوذة منه إذا تأمله فعلم أنه قد سوغ له من الحق وأسقط عنه ما كان بإزائه من فضل الأنوثة في الفريضة الواجبة عليه وليعلم المصدق أن سن الذكورة مقبول من رب المال في هذا النوع وهو أمر نادر خارج عن العرف في باب الصدقات ولا ينكر تكرار البيان والزيادة فيه مع الغرابة والندور لتقرير معرفته في النفوس.
وقوله إن استيسرتا له معناه إن كانتا موجودتين في ماشيته.
وفيه دليل على أن الخيار في ذلك إلى رب المال أيهما شاء أعطى.
وفي قوله في سائمة الغنم إذا كانت أربعين شاة شاة دليل على أن لا زكاة في المعلوفة منها لأن الشيء إذا كان يعتوره وصفان لازمان فعلق الحكم بأحد وصفيه كان ما عداه بخلافه وكذلك هذا في عوامل البقر والإبل، وهو قول عوام أهل العلم إلاّ مالكا فإنه أوجب الصدقة في عوامل البقر ونواضح الإبل.
وقوله فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة فإنما معناه أن يزيد مائة أخرى فيصير أربعمائة وذلك لأن المائتين لما توالت أعدادها حتى بلغت ثلاثمائة وعلقت الصدقة الواجبة فيها بمائة مائة ثم قيل فإذا زادت عقل أن هذه الزيادة اللاحقة بها إنما هي مائة لا ما دونها وهو قول عامة الفقهاء الثوري وأصحاب الرأي وقول الحجازيين مالك والشافعي وغيرهم.
وقال الحسن بن صالح بن حي إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه.
وقوله لا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس الغنم إلاّ أن يشاء المصدق فإن حق الفقراء إنما هو في النمط الأوسط من المال لا يأخذ المصدق خياره فيجحف بأرباب الأموال ولا شراره فيزري بحقوق الفقراء.
وقوله إلاّ أن يشاء المصدق، فيه دلالة على أن له الاجتهاد لأن يده كيد المساكين وهو بمنزلة الوكيل لهم ألا ترى أنه يأخذ أجرته من مالهم وإنما لا يأخذ ذات العوار ما دام في المال شيء سليم لا عيب فيه فإن كان المال كله معيبا فإنه يأخذ واحدًا من أوسطه وهو قول الشافعي، وقال إذا وجب في خمس من إبله شاة وكلها معيبة فطلب أن يؤخذ منه واحد منها أخذ وإن لم يبلغ قيمته قيمة شاة وقال مالك يكلف أن يأتي بصحيحة ولا يؤخذ منه مريض، وتيس الغنم يريد به فحل الغنم، وقد زعم بعض الناس أن تيس الغنم إنما لا يؤخذ من قبل الفضيلة وليس الأمر كذلك وإنما لا يؤخذ لنقصه وفساد لحمه.
وكان أبو عبيد يرويه إلا أن يشاء المصدَّق بفتح الدال يريد صاحب الماشية وقد خالفه عامة الرواة في ذلك فقالوا إلاّ أن يشاء المصدِّق مكسورة الدال أي العامل.
وقوله لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة فإن هذا إنما يقع في زكاة الخلطاء، وفيه إثبات الخلطة في المواشي.
وقد اختلف في تأويله فقال مالك هو أن يكون لكل رجل أربعون شاة فإذا أظلهم المصدق جمعوها لئلا يكون فيها إلاّ شاة واحدة ولا يفرق بين مجتمع أن الخليطين إذا كان لكل واحد منهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما فيه ثلاث شياه فإذا أظلهما المصدق فرقا غنمهما فلم يكن على كل واحد منهما إلاّ شاة. وقال الشافعي الخطاب في هذا خطاب للمصدق ولرب المال معًا وقال الخشية خشيتان خشية الساعي أن تقل الصدقة وخشية رب المال أن تكثر الصدقة فأمر كل واحد منهما أن لا يحدث في المال شيئا من الجمع والتفريق خشية الصدقة.
وقوله وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية فمعناه أن يكونا شريكين في إبل يجب فيها الغنم فيوجد الإبل في يدي أحدهما فتؤخذ منه صدقتها فإنه يرجع على شريكه بحصته على السوية.
وفيه دلالة على أن الساعي إذا ظلمه فأخذ منه زيادة على فرضه فإنه لا يرجع بها على شريكه وإنما يغرم له قيمة ما يخصه من الواجب دون الزيادة التي هي ظلم وذلك معنى قوله بالسوية وقد يكون تراجعهما أيضًا من وجه آخر وهو أن يكون بين رجلين أربعون شاة لكل واحد منهما عشرون وقد عرف كل واحد منهما عين ماله فيأخذ المصدق من نصيب أحدهما شاة فيرجع المأخوذ من ماله على شريكه بقيمة نصف شاة.
وفيه دليل على أن الخلطة تصح مع تميز أعيان الأموال. وقد روي عن عطاء وطاوس أنهما قالا إذا عرف الخليطان كل واحد منهما أموالهما فليسا بخليطين.
وقد اختلف مالك والشافعي في شرط الخلطة فقال مالك إذا كان الراعي والفحل والمراح واحدًا فهما خليطان، وكذلك قال الأوزاعى.
وقال مالك فإن فرقهما المبيت هذه في قرية وهذه في قرية فهما خليطان.
وقال الشافعي إن فرق بينهما في المراح فليسا بخليطين واشترط في الخلطة المراح والمسرح والسقي واختلاط الفحولة، وقال إذا افترقا في شيء من هذه الخصال فليسا بخليطين، إلاّ أن مالكًا قال لا يكونان خليطين حتى يكون لكل واحد منهما تمام النصاب وعند الشافعي إذا تم بماليهما نصاب فهما خليطان وإن كان لأحدهما شاة واحدة.
وقوله في الرقة ربع العشر فإن لم يكن إلاّ تسعون ومائة فليس فيها شيء إلاّ أن يشاء ربها فإن الرقة الدراهم المضروبة وليس في هذا دلالة على أنه إذا كانت تسعة وتسعين ومائة أو كانت مائتين ناقصة كانت فيها الزكاة، وإنما ذكر الفصول والعشرات لأنها قد تتضمن الآحاد فدل بذلك على أنه أراد بالزيادة التي بها يتعلق الوجوب عشرة كاملة.
وبيان ذلك في قوله: «ليس فيما دون خمس أواق من الورق زكاة».
وفيه دليل على أن الدراهم إذا بلغت خمس أواق بما فيها من غش وحملان فإنه لا شيء فيها حتى يكون كلها فضة خالصة.
وفي قوله: «إلاّ أن يشاء ربها» دليل على أن رب المال إذا سمح بما لا يلزمه من زيادة السن أو أعطى الماخض مكان الحائل أو أعطى ذات الدر بطيبة نفس كان ذلك مقبولا منه. وحكي عن داود وأهل الظاهر أنهم قالوا لا يقبل منه أو لا يجزئه والحديث حجة عليه لأنه إذا أعطى عن مائة وتسعين درهما خمسة دراهم لكانت مقبولة منه وهو لا يجب عليه فيها شيء لعدم النصاب فلأن تقبل زيادة السن مع كمال النصاب أولى.
وأما تفسير أسنان الفرائض المذكورة في هذا الحديث فإن ابنة المخاض هي التي أتى عليها حول ودخلت في السنة الثانية وحملت أمها فصارت من المخاض وهي الحوامل، والمخاض اسم جماعة للنوق الحوامل.
وأما ابنة اللبون فهي التي أتى عليها حولان ودخلت في السنة الثالثة فصارت أمها لبونا بوضع الحمل أي ذات لبن.
وأما الحقة فهي التي أتى عليها ثلاث سنين ودخلت في السنة الرابعة فاستحقت الحمل والضراب. والجذعة هي التي تمت لها أربع سنين ودخلت في الخامسة.
وقد ذكر أبو داود عن الرياشي وأبي حاتم عن الأصمعي وغيره أسنان الإبل وأشبع بيانها في الكتاب فلا حاجة بنا إلى ذكرها.
وقوله طَروقة الفحل فهي التي طرقها الفحل أي نزا عليها وهي فعولة بمعنى مفعولة كما قيل ركوبة وحلوبة بمعنى مركوبة ومحلوبة.
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة وعن الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه قال زهير: أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهم فما زاد فعلى حساب ذلك. قال: وفي البقر في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة وليس على العوامل شيء قال وفي النبات ما سقته الأنهار أو سقت السماء العشر وما سقي بالغَرْب ففيه نصف العشر».
قوله: «في كل أربعين درهما درهم» تفصيل لجملة قد تقدم بيانها في حديث أبى سعيد الخدري وهو قول: «ليس فيما دون خمس أواق شيء» وتفصيل الجملة لا يناقض الجملة.
وقوله: «فما زاد فعلى حساب ذلك»؛ فيه دليل على أن القليل والكثير من الزيادة على النصاب محسوب على صاحبه ومأخوذ منه الزكاة بحصته وقد ذكرنا اختلاف أقاويل العلماء في هذا فيما مضى.
وقوله: «في البقر في كل ثلاثين تبيع» فإن العجل ما دام يتبع أمه فهو تبيع إلى تمام سنة ثم هو جذع ثم ثني ثم رَباع ثم سَدَس وسديس ثم صالغ وهو المسن.
وقوله: «وليس في العوامل شيء» بيان فساد قول من أوجب فيها الصدقة، وقد ذكرناه فيما مضى.
وفي الحديث دليل على أن البقر إذا زادت على الأربعين لم يكن فيها شيء حتى تكمل ستين، ويدل على صحة ذلك ما روي عن معاذ أنه أتي بوقص البقر فلم يأخذه. ومذهب أبي حنيفة أن ما زاد على الأربعين فبحسابه.
وقوله: «فيما سقته الأنهار أو سقته السماء العشر وما سقي بالغرب ففيه نصف العشر»، فإن الغَرْب الدلو الكبيرة يريد ما سقي بالسواني وما في معناها مما سقي بالدواليب والنواعير ونحوها.
وإنما كان وجوب الصدقة مختلفة المقادير في النوعين لأن ما عمت منفعته وخفت مؤنته كان أحمل للمواساة فأوجب فيه العشر توسعة على الفقراء وجمل فيما كثرت مؤنته نصف العشر رفقا بأهل الأموال.
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المَهْري أخبرني ابن وهب أخبرني جرير بن حازم، عَن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليكم شيء»، يَعني في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارا فإذا كان لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار وما زاد فبحساب ذلك وليس في مالٍ زكاة حتى يحول عليه الحول.
قلت: وفي هذا دليل على أن المال إذا نقص وزنه عن تمام النصاب وإن كان شيئا يسيرا أو كان مع نقصه يجوز جواز الوازن لم تجب فيه الزكاة.
وقوله: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» إنما أراد به المال النامي كالمواشي والنقود لأن نماءها لا يظهر إلاّ بمضي مدة الحول عليها.
فأما الزروع والثمار فإنها لا يراعى فيها الحول وإنما ينظر إلى وقت إدراكها واستحصادها فيخرج الحق منها.
وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الفوائد والأرباح يستأنف بها الحول ولا تبنى على حول الأصل.
وقد اختلف الناس في ذلك فقال الشافعي يستقبل بالفائدة حولها من يوم أفادها.
وروي ذلك، عَن أبي بكر وعلي وابن عمر وعائشة رضوان الله عليهم.
وهو قول عطاء وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز.
وقال أحمد بن حنبل ما استفاده الإنسان من صلة وميراث استأنف به الحول وما كان من نماء ماله فإنه يزكيه مع الأصل. وقال أبو حنيفة تضم الفوائد إلى الأصول ويزكيان معًا. وإليه ذهب ابن عباس وهو قول الحسن البصري والزهري. واتفق عامة أهل العلم في النتاج أنه يعد مع الأمهات إذا كان الأصل نصابا تاما وكان الولادة قبل الحول ولا يستأنف له الحول وذلك لأن النتاج يتعذر تميزه وضبط أوائل أوقات كونه فحمل على حكم الأصل والولد يتبع الأم في عامة الأحكام.
وفي الحديث دليل على أن النصاب إذا نقص في خلال الحول ولم يوجد كاملا من أول الحول إلى آخره أنه لا تجب فيه الزكاة وإلى هذا ذهب الشافعي. وعند أبي حنيفة أن النصاب إذا وجد كاملا في طرفي الحول وإن نقص في خلاله لم تسقط عنه الزكاة. ولم يختلفا في العروض التي هي للتجارة أن الاعتبار إنما هو لطرفي الحول وذلك لأنه لا يمكن ضبط أمرها في خلال السنة.
وفيه دليل على أنه إذا بادل إبلا بإبل قبل تمام الحول بيوم لم يكن عليه فيها زكاة وهو قول أبي حنيفة والشافعي. إلاّ أن الشافعي يسقط بالمبادلة الزكاة عن النقود كما يسقطها بها عن الماشية وأباه وأبو حنيفة في النقود وهو أحوط لئلا يتذرع بذلك إلى إبطال الزكاة ومنع الفقراء حقوقهم منها وهي أصل الأموال وأعظمها قدرا وغناءً.
قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عَوانة، عَن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهم وليس في تسعين ومائة شيء فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم».
قلت: إنما أسقط الصدقة عن الخيل والرقيق إذا كانت للركوب والخدمة فأما ما كان منها للتجارة ففيه الزكاة في قيمتها.
وقد اختلف الناس في وجوب الصدقة في الخيل فذهب أكثر الفقهاء إلى أنه لا صدقة فيها وقال حماد بن أبي سليمان فيها صدقة.
وقال أبو حنيفة في الخيل الإناث والذكور التي يطلب نسلها في كل فرس دينار وإن شئت قومتها دراهم فجعلت في كل مائتي درهم خمسة دراهم.
وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه أخذ من كل فرس دينارًا.
قلت: وإنما هو شيء تطوعوا به لم يلزمهم عمر إياه وروى مالك عن الزهري عن سليمان بن يسار أن أهل الشام عرضوه على أبي عبيدة فأبى ثم كلموه فأبى ثم كتب إلى عمر في ذلك فكتب إليه إن أحبوا فخذها منهم وارددها عليهم وارزق رقيقهم.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا بَهْز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في كل سائمة إبل في أربعين ابنة لبون لا يُفَرَّقُ إبل على حسابها من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا ليس لآل محمد منها شيء».
قلت: اختلف الناس في القول بظاهر هذا الحديث فمذهب أكثر الفقهاء أن الغلول في الصدقة والغنيمة لا يوجب غرامة في المال، وهو مذهب الثوري وأصحاب الرأي وإليه ذهب الشافعي. وكان الأوزاعي يقول في الغال في الغنيمة إن للإمام أن يحرق رحله، وكذلك قال أحتد وإسحاق.
وقال أحمد في الرجل يحمل الثمرة في أكمامها فيه القيمة مرتين وضرب النكال وقال كل من درأنا عنه الحد أضعفنا عليه الغرم، واحتج في هذا بعضهم بما روي، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها والنكال». وغرم عمر بن الخطاب حاطب بن أبي بلتعة ضعف ثمن ناقة المزني لما سرقها رقيقه. وروي عن جماعة من الصحابة أنهم جعلوا دية من قتل في الحرم دية وثلثا وهو مذهب أحمد بن حنبل.
وكان إبراهيم الحربي يتأول حديث بهز بن حكيم على أدنه يؤخذ منه خيار ماله مثل سن الواجب عليه لا يزاد على السن والعدد ولكن يتقي خيار ماله فتزداد عليه الصدقة بزيادة شطر القيمة.
وفي الحديث تأويل آخر ذهب إليه بعض أهل العلم وهو أن يكون معناه أن الحق مستوفى منه غير متروك عليه وإن تلف ماله فلم يبق إلاّ شطره كرجل كان له ألف شاة فتلف حتى لم يبق منه إلاّ عشرون فإنه يؤخذ منه عشر شياه وهو شطر ماله الباقي أي نصفه وهذا محتمل وإن كان الظاهر ما ذهب إليه غيره ممن قد ذكرناه.
وفي قوله ومن منعها فإنا آخذوها دليل على أن من فرط في إخراج الصدقة بعد وجوبها فمنع بعد الإمكان ولم يؤدها حتى هلك المال أن عليه الغرامة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين منع ومنع.
قال أبو داود: حدثنا النفيلي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عَن أبي وائل عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة ومن كل حالم دينارا أو عدل من المعافر ثياب تكون باليمن.
قلت: ليس في أصول الزكاة مدخل للذكران من المواشي إلاّ في صدقة البقر فإن التبيع مقبول عنها فيشبه أن يكون ذلك والله أعلم لقلة هذا النصاب وانحطاط قيمة هذا النوع من الحيوان فسوس لهم إخراج الذكران منه ما دام قليلا إلى أن يبلغ كمال النصاب وهو الأربعون. فأما ابن اللبون فإنه يؤخذ بدلا عن ابنة المخاض لا أصلا في نفسه ومعه زيادة السن التي يوازي بها فضيلة الأنوثة التي هي لابنة المخاض. وأما الدينار فإنما أخذه جزية عن رؤوسهم وهم نصارى نجران وصدقة البقر إنما أخذها من المسلمين إلاّ أنه أدرج ذلك في الخبر ونسق أحدهما على الآخر والمعنى مفهوم عند أهل العلم.
وفيه دليل على أن الدينار مقبول منهم سواء كانوا فقراء أو مياسير لأنه عم ولم يخص، وفيه بيان أنه لا جزية على غير البالغ وأنها لا تلزم إلاّ الرجال لأن الحالم سمة الذكران وهو كالإجماع من أهل العلم.
واختلفوا في الفقراء منهم يؤخذ منهم أم لا فقال أصحاب الرأي لا يؤخذ من الفقير الذي لا كسب له، واختلف فيه قول الشافعي فأحد قوليه أنه لا شيء عليه وأوجبها في القول الثاني لأنه يجعلها بمنزلة كراء الدار وأجرة السكنى والدار للمسلمين لا لهم والكراء يلزم الفقير والغني.
وقوله أو عدله أي ما يعادل قيمته من الثياب قال الفراء يقال هذا عدل الشيء بكسر العين أي مثله في الصورة وهذا عدله بفتح العين إذا كان مثله في القيمة.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا أبو عَوانة عن هلال بن خباب عن ميسرة أبي صالح عن سويد بن غفلة قال سرت أو أخبرني من سار مع مصدق النبي صلى الله عليه وسلم: «فإذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تأخذ من راضع لبن قال وكان يأتي المياه حين ترد الغنم فيقول أدوا صدقات أموالكم قال فعمد رجل منهم إلى ناقة كَوماء قال وهي عظيمة السنام فأبى أن يقبلها قال فخطم له أخرى دونها» وذكر الحديث.
قوله: «لا تأخذ من راضع الراضع ذات الدر» فنهيه عنها يحتمل وجهين: أحدهما أن لا يأخذ المصدق عن الواجب في الصدقة لأنها خيار المال ويأخذ دونها وتقديره لا تأخذ راضع لبن ومن زيادة وصلة في الكلام كما تقول لا تأكل من حرام ولا تنفق من سحت أي لا تأكل حرامًا.
والوجه الآخر أن يكون عند الرجل الشاة الواحدة أو اللقحة قد اتخذها للدر فلا يؤخذ منها شيء وقد جاء في بعض الحديث «لا تُعَدُّ فاردتكم». والكوماء هي التي ارتفع سنامها فكان كالكومة فوقها يقال كومت كومة من التراب إذا جمعت بعضه فوق بعض حتى ارتفع وعلا قال أبو النجم يصف الإبل:
الحمد لله الوهوب المجزل ** كُومَ الذُّرى من خَوَل المخوَّل

وقوله: «فخطم له أخرى» أي قادها إليه بخطامها والإبل إذا أرسلت في مسارحها لم يكن عليها خُطُم وإنما تخطم إذا أريد قودها.
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا وكيع عن زكريا بن إسحاق المكي عن عمرو بن أبي سفيان الجمحي عن مسلم بن ثَفنة اليشكري عن سعد بن دَيْسم قال: «كنت في غنم لي فجاءني رجلان على بعير فقالا إنا رسولا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك لتؤدي صدقة غنمك فقلت وما علي فيها فقالا شاة فعمدت إلى شاة قد عرفتها وعرفت مكانها ممتلئة مخضا وشحما فأخرجتها إليهما فقالا هذه شاة الشافع وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأخذ شاة شافعا قلت فأي شيء تأخذان قالا عناقا أو جذعة أو ثنية قال فعمدت إلى عناق معتاط والمعتاط التي لم تلد وقد حان ولادها فأخرجتها إليهما فجعلاها على بعيرهما ثم انطلقا».
المخض اللبن والشافع الحامل وسميت شافعا لأن ولدها قد شفعها فصارا زوجًا والمعتاط من الغنم هي التي قد امتنعت عن الحمل لسمنها وكثرة شحمها، يقال اعتاطت الشاة وشاة معتاط ويقال ناقة عائط ونوق عيط.
قلت: وهذا يدل على أن غنمه كانت ماعزة ولو كانت ضائنة لم يجزه العناق ولا يكون العناق إلاّ الأنثى من المعز. وقال مالك: الجذع يؤخذ من الماعز والضأن.
وقال الشافعي يؤخذ من الضأن ولا يؤخذ من المعز إلاّ الثني.
وقال أبو حنيفة لا يؤخذ الجذعة من الماعز ولا من الضأن.
قال أبو داود: قرأت في كتاب عبد الله بن سالم الحمصي عند آل عمرو بن الحارث الحمصي عن الزبيدي قال: وأخبرني يحيى بن جابر عن جبير بن نفير عن عبد الله بن معاوية الغاضري من غاضرة قيس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من فعلهن فقد طعِم طُعم الإيمان من عبد الله وحده وأنه لا إلّه إلاّ الله وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشُرَط اللئيمة ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره».
قوله: «رافدة عليه» أي معينة وأصل الرفد الإعانة والرفد المعونة والدرنة الجرباء وأصل الدرن الوسخ والشرط رذالة المال قال الشاعر:
وفي شُرط المِعزى لهن مُهور

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع حدثنا زكريا بن إسحاق المكي عن يحيى بن عبد الله بن صيفي، عَن أبي معبد عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إلّه إلاّ الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم فإن هم أطاعوك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب».
قلت: في هذا الحديث مستدل لمن يذهب إلى أن الكفار غير مخاطبين بشرائع الدين وإنما خوطبوا بالشهادة فإذا أقاموها توجهت عليهم بعد ذلك الشرائع والعبادات لأنه صلى الله عليه وسلم قد أوجبها مرتبة وقدم فيها الشهادة ثم تلاها بالصلاة والزكاة.
وفيه دليل على أنه لا يجوز دفع شيء من صدقات أموال المسلمين إلى غير أهل دينهم، وهو قول عامة الفقهاء.
وفيه دليل على أن سنة الصدقة أن تدفع إلى جيرانها وأن لا تنقل من بلد إلى بلد. وكره أكثر الفقهاء نقل الصدقة من البلد الذي به المال إلى بلد آخر إلاّ أنهم مع الكراهة له قالوا إن فعل ذلك أجزأه، إلاّ عمر بن عبد العزيز فإنه يروى عنه أنه رد صدقة حملت من خراسان إلى الشام إلى مكانها من خراسان.
وفيه مستدل لمن ذهب إلى إسقاط الزكاة عمن في يده مائتا درهم وعليه من الدين مثلها لأن له أخذ الصدقة وذلك من حكم الفقراء. وقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم الناس قسمين: آخذًا ومأخوذا منه فإذا جعلناه معطى مأخوذًا منه كان خارجا عن هذا التقسيم. ولكن قد جوز أبو حنيفة أن يأخذ من عشر الأرض من يعطي العشر وذلك أن العشر في القليل والكثير عنده واجب.
وقد يستدل بهذا الحديث من يذهب إلى وجوب الزكاة في مال الأيتام وذلك أنه لما كان معدودًا من جملة الفقراء الذين تقسم فيهم الزكاة كان معدودا في جملة الأغنياء الذين تجب عليهم الزكاة إذ كان آخر الكلام معطوفا على أوله.
وقد اختلف الناس في ذلك فأوجبها في ماله مالك والثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعلى وابن عمر وجابر وعائشة، وهو قول عطاء وطاوس ومجاهد وابن سيرين.
وقال الأوزاعي وابن أبي ليلى عليه الزكاة ولكن يحصيها الولي فإذا بلغ الطفل أعلمه ليزكي عن نفسه.
وقال أصحاب الرأي لا زكاة عليه في ماله إلاّ فيما أخرجت أرضه ويلزمه زكاة الفطر.
قال أبو داود: حدثنا مهدي بن حفص ومحمد بن عبيد المعنى قالا: حَدَّثنا حماد عن أيوب عن رجل يقال له ديسم عن بشير بن الخصاصية قال قلنا إن أهل الصدقة يعتدون علينا أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا فقال لا.
قلت: يشبه أن يكون نهاهم عن ذلك من أجل أن للمصدق أن يستحلف رب المال إذا اتهمه فلو كتموه شيئًا منها واتهمهم المصدق لم يجز لهم أن يحلفوا على ذلك فقيل لهم احتملوا لهم الضيم ولا تكذبوهم ولا تكتموهم المال.
وقد روي «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك».
وفي هذا تحريض على طاعة السلطان وإن كان ظالمًا وتوكيد لقول من ذهب إلى أن الصدقات الظاهرة لا يجوز أن يتولاها المرء بنفسه لكن يخرجها إلى السلطان.
قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر النمري وأبو الوليد الطيالسي المعنى قالا: حَدَّثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن أبي أوفى قال: «كان أبي من أصحاب الشجرة وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال اللهم صل على آل فلان قال فأتاه أبي بصدقته فقال اللهم صل على آل أبى أوفى».
قلت: الصلاة في هذا الموضع معناه الدعاء والتبرك وهو تأويل قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} [التوبة: 103] ومن هذا قول الأعشى:
وقابلها الريح في دنِّها ** وصلى على دَنِّها وارتسم

قال أبو العباس أحمد بن يحيى بن يزيد ودعا لها بأن لا تحْمُض ولا تفسد.
وفيه دليل على أن الصلاة التي هي بمعنى الدعاء والتبريك يجوز أن يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما الصلاة التي هي تحية لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها بمعنى التعظيم والتكريم وهي خصيصا له لا يشركه فيها إلا آله، وإنما يستحق المزكي الصلاة والدعاء إذا أعطى الصدقة طوعا ولا يستحقها من استخرجت منه الصدقة كرها وقهرًا.
قال أبو داود: حدثنا عباس بن عبد العظيم ومحمد بن المثنى قالا: حَدَّثنا بشر بن عمر، عَن أبي الغُصن عن صخر بن إسحاق عن عبد الرحمن بن جابر بن عتيك عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيأتيكم رُكَيب مبغضون فإذا جاؤوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبغون فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليها وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم وليدعوا لكم».
قوله: «ركيب» تصغير ركب وهو جمع راكب كما قيل صحب في جمع صاحب وتجر في جمع تاجر، وإنما عنى به السعاة إذا أقبلوا يطلبون صدقات الأموال فجعلهم مبَغَّضين لأن الغالب في نفوس أرباب الأموال بغضهم والتكره لهم لما جبلت عليه القلوب من حب المال وشدة حلاوته في الصدر إلاّ من عصمه الله ممن أخلص النية واحتسب فيها الأجر والمثوبة.
وفيه من العلم أن السلطان الظالم لا يغالب باليد ولا ينازع بالسلاح.